Image Not Found

بعد البوابة الصغيرة لسور اللواتية

د علي محمد سلطان

البيوع بالتجزئة كانت السمة البارزة للساحة التي كانت تعج بالمارة.

دكاكين متراصة تقابلها الأخرى وجها لوجه وهي جميعها تمارس النشاط التجاري وتخدم الحارات من حلة نازي مويا والهنود والكمبار والزرافية وحتى السورگ.

فعندما يتنفس وجه الصبح كان حبيب العجمي يأتي بالعربة ذات الإطارات يجرها حمار وتحمل برميلا من الكيروسين( حل تراب) وقد فرٌغ فيه التنكات المعدنية من الكيروسين العبداني دخل عبر بي پي أو شل أو جاء عن طريق البيدفوردات من ميناء راشد من خلال محسن بن علي ( چیکاب ) أو محمد عبدالله حبيب فتتزاحم عليه ربات البيوت التي كانت تنتظر دورها بفارغ الصبر للحصول على غرشة أو غرشتين من الكيروسين حتى توقد ( الپريموسات ).

وعلى مقربة منه تجلس گلي وابنتها هداهر فتفترشان الأرض بالسخانة والشوربة ومن اللولاه فيزحف عليها طلبة السعيدية قبل أن يرن جرس المدرسة وتحين ساعة إسترح إستعد وياعلمي ياعلم.

ومقابله كان ( چاچا تاواه ) عبدالحسين محمد علي آل صالح هو الآخر يفترش الأرض مع أولى ساعات العصر ويضع قدوره من الدنگوه والماش( منگا گوراه ) والحلبة والكيرجي ويأتي بها من بيته القريب على عربة يجرها الجيران ، ويتفرغ لقلي البگوراه مع ( شتني ) الصلصة الحارة ذات البزارات العمانية الحارة ومن الصبار المدقوق فيلتم عليه القريبون والبعيدون من كبار الموظفين والكسبة والصبية وبعض المربيات فيأخذون نصيبهم من أدامات العصر ويفرغون الصفاري النحاسية عن بكرة أبيها.

أما عن صواني الحلويات فحدث ولاحرج، حيث جنگیه ولولو قبيط وجمايتيه ولوز وهچو آبادی وماووه وكيرپيراه وعبدول ولقيمات القاضي وما عائشة وحلوة نارجيل.

وتأتي من أقاصي الجيدان عائلة يعقوب وهم الأب يعقوب وزوجته سارة وإبنتهما نورجهان وبعد مرورهم على العرصة يأتون بأجود الفواكه من البيذام والفرصاد والأمب والجوافة والقاو والنبق والتوت فيفترشون في زاوية من زوايا الساحة ويبيعون على المارة ماسخت به الأرض وربت وأنبتت.

وفي الصباح الباكر فإن الألبان والدهانة المرجرجة في القرب الجلدية عبر النسوة اللآتي كن يأتين من دارسيت( ما عائشة وجوخة وشمسة ) فإن أدامات الصبح كانت لاتخلو منها في البيوت والمارة الذين كانوا يتكؤون على الجدر المتراصة على طول الخط الممتد من باب سور اللواتية الصغير وحتى البرج المؤدي إلى حلة الهنود فيتناولون منها في القصاع والديس مع الخبز المستخرج لتوه من تنور الحاج عوض العجمي.

وهنا فإن دال عوض مع خبزه الحار المستخرج من قعر التنور كان ريوقا مستوفي الشروط في حسابات ذوي الدخول المتوسطة، وتزداد قيمته متى ما سُكب السمن العماني على جوانبه والآتي من كرم الحاج علي داود ( نندو) الذي كان يغدق بعطائه كل من إشتهى أن يتناول إفطاره بشئ من الدسم بعيدا عن الدالدا والهولندي.

وكذلك الحال مع بابلوه سلوم المُعد من عظام الگيذر والسهوة ورائحة الجزع والفلفل والجلجلان كانت تسيل منها اللعاب قبل أن تصل اللقمة إلى البلعوم.

ومع رحيلها فإن طعم البابلوه غدا تاريخا في ذاكرة الزمن حتى وإن برعت الأيادي في إعداده بأجود السمك.

وعن المحال المتراصة في جانبي الطريق فإن الدكان المواجه للمارة وعلى مفترق طرق كان يجلس على ناصيته عبدالله محمد علي ( أبو همدلي ) وهنا كان عالم الصبية والصبايا وبعض التجار والكسبة.

هنا كان جعفر باقر حاضرا من خلال بعض وكالاته.

كان بسكويت براندت Brandat و گولدن پف Golden Puff من محلاته.

وكان بسكويت Oxford من محلات ويلجي Valjee وهنتلي إند پالمرز Huntley and Palmers من تاول.

كل هذه البسكويتات كانت تتصدر دكانته وهي من أجود أنواع البسكويتات في عالم الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم.

وأما عن السكاير فإنها كانت العلامة الأبرز في عالم مطرح في تلك الحقبة والوجه الأبرز لها كانت على الأرفف الممتدة حتى سقف المحل عند آخر كندل من كنادله.

فمن Rothman و Charminar الهندي و navy Cut و Eagle و Essex و First Lord و Elephant و Black and white و players و Pibroch و 555 بالإضافة إلى سكاير( بيري ) الهندية الخفيفة وسكاير شعري التي كانت تغلف محليا وأشهر من كان يغلفها هو أحمد كوهي وكانت سكايره ذات جودة عالية لمن تمرس على التدخين.

كان المارة يأتون لدكانته فياخذون حبة وحبتين وثلاث حبات ويتنوعون في الإختيار، وخلسة فإن بعض النسوة كن يرسلن المربيات لجلب أنواعٍ منها كما أنهن قد اعتدن على تدخين الشعري وتناول الگدو ويومها لم يكن متعارفا بين الناس الگدو المعسل، كما وأن مقاهي البريستاج لم تكن تقدم المعسلات في زمن كانت السجاير محظورة من التناول والمتلبس في تدخينها يُحبس في الكوت لثلاثة أيام.

كانت دكانة ابو همدلي تزخر بمنتحات تأتي من باكستان والهند من الألعاب التي كانت تتحول إلى ثعالبين بعد تشعيلها والكاميرات البلاستيكية القاذفة للماء واللنجات المعدنية والتلفاز ذات الصور المتحركة والدمى والدراجات البلاستيكية وكل ما هو مستجد في عالم الألعاب من محلات گلاب سمبت ونارنجي هيرجي مع الطائرات الورقية والدوامات والتيل وبعض الدراجات الخشبية من النجار علي مكي.

بالإضافة فإن أنواع السكاكر والكادبريات من محلات رمنكلال كان لها الوجود مع بسكويت أبو الدكاني ذات الفصوص في أعلى الرأس.

دكانته كانت تزخر بهذه الحلويات الآتية عبر البحار وقد بدأت تنافس تلك المصنوعة محليا مع بدايات تدفق المال عبر تصدير النفط رسميا.

ونأتي على واحد من تجار التجزئة ( راشن ) فقد ذاع صيت داود إسماعيل خلفان فكان الوجه الأبرز لتجار البيع بالتجزئة.

هنا جلس ( وسنجي ) بمنتجه Persil و دونا Dona

ثقافة الكوبونات والقسائم قد عرفتها مطرح منذ الستينيات، فمسحوق الغسيل Persil كان يحتوي على أجزاء من حروفه ويتم حشو العلب بالكوبونات التي تحمل الأحرف من المسحوق ، ومتى ما اكتملت الأحرف الستة لبرسيل فإن سعيد الحظ كان يحصل على مائة ربية هندية والمبلغ كانو يمثل قوة شرائية معتدة.

وهنا جلس مامو( محمد جمعة سلطان ) بتنكات Cow Brand ، السمن الهولندي الذي نافس دالدا الهندي المنتج والحيدري باكستاني المنتج.

ودخل حليب أبو الجبل كل أسواق مطرح وغدا مادة دسمة للشاي وكون طبقة من ( الملاية ) الحلوة المذاق وبذا فقد دخلت القهاوي نكهة من المذاقات المستجدة لم تألفها حياة المطرحيين إلا بدخول أبو الجبل في الشاي والكيرجي والحلبة وبأنواع من الحلويات المعتمدة على الحليب.

وأدخل طحين أبو ( ساعة ) ساحات مطرح وكان قد إستورده من أستراليا وبدخوله نافس أجود أنواع الطحين المستورد يومها من أقاصي الدنيا.

ودخل الشاي Swan Brand فاكتسح الأسواق ونافس ليبتون وبذا فقد غدا إسم ( مامو ) يبز الأقران ويتقدم (بالبراندات ) يوما بعد آخر فيما راجت كل براندات القهوة السيلانية والبرازيلية التي توسع في تجاراتها حتى أصبحت هي الأولى في تجارات الجملة والتجزئة على أكثر من صعيد واستحق لقب ( ملك البن) عن جدارة.

وتمثل في زبدة ابو( كرسي) فغذا شعاره هو اللافت عند فئة الموظفين الكبار في PDO والبنوك والتجار واكتسحت أسواق التجزئة وراج سوقها لدى الشرائح المختلفة ودخلت في عالم الحلويات والكعكات كمادة أساسية مع دخول ثقافة الحلويات والمعجنات الآتية عبر البحار في أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات.

داود إسماعيل خلفان كان تاجر التجزئة، فتعامل مع كل جديد من المنتجات التي كسحت الأسواق مع أواخر الستينيات ، وفتح باب عمله لكل الناس على مختلف مستوياتهم فمسك دفتر الحسابات اليومية والأستاذ لأنه فتح بابا للمدينين الذين كانوا يعيشون على أقوات يومهم ليومهم.

كان يبيع بالتجزئة السمن الهولندي المفتوح فيستخرج من التنكات والقلات بمقدار حاجة ضعفة الناس عن طرق أداة القلس ويضيف السمن من التكنات المخصصة فيرتفع فيها السمن فيَجُم ويرتفع.

كان الرز البسمتي طعام الأغنياء والميسورين وبعض الموظفين الذين كانوا قد بدأوا في العمل في المؤسسات فيطلب من كبوه العدس والماش والدنجو والرز البسمتي ( أبو 90 من ) فلايجد الحمال فيستعين ب محمد ديزل الذي كان يحمل له المؤن الثقيلة من تجار السوق الكبير الذي كان يغذي معظم مدن عمان في تلك المرحلة.

مع ساعات المساء كان دكانه يمتلئ من الزبائن الذين كانوا يأتون إليه من مختلف الحارات والداربين ويتزاحمون على أعتابه فيقدم الأبعدين من الأقربين لبعد دور سكناهم ويسجل الدين عبر زميله محمد حسن فاضل الذي كان يمسك دفاتر حساباته.

وعلى بعد أمتار منه كان دكان حسن عبدالصمد المعروف ب حارب وقد إشتهر هو الآخر في بيع الألعاب وبعض المؤن الغذائية إلا أن الناس قد عرفوه بشاوي الجراد حيث أنه كان يصطاد الجراد في مواسم تكاثرها ويأتي بها في دكانته ويشويها ويبيعها على المارة.

كان إبنه عبدالرضا( الضرير ) وصاحب الصنائع يعاونه على حالته من العمى، وقد كتبت عنه حلقة من حلقات من ذاكرة الأيام رقم ١٠٠.

وهنا كان معقل الحطب في صورته المصغرة حيث الحطاب سنان كان يقطع الجذوع ويحولها إلى سمر للطبخ والمواقد.

وكانت ما سعدة تجلس في واحدة من دكانات السوق وتبيع على المارة من أجود الكامي المستخرج من المستحلبات الآتية من روي ودارسيت.

وعلى خطوات منها كان ميرزا كاظم العجمي الذي كان هو الآخر يتشارك مع داود إسماعيل خلفان في بيع المواد الغذائية المتجزئة وارتاد محله الشباب الذين قد بدأوا يلتحقون في الوظائف ويبحثون عن الكرفتات والبيفات وقواطي الأناناس ودكسي كولا وجنجر بير وعلب العصائر والآتية من الشركة الفنية العمانية وبرادات مطرح مع دخول الكهرباء والتوسع في تجارات التجزئة بتوافد الأجانب في أواخر الستينيات.

بجانب ذلك فقد عرف عنه بيعه دلواتر ( ماء غريب) وماء الرضيع ووارليز( بسكويت الأطفال ) وسيريلكس وعلب الفواكه المختلفة.

ولا ننسى من الذاكرة ملا عباس العجمي الذي أدخل ثقافة المعجنات في تاريخ مطرح ( الكماتشات ) حيث أنه قد برع أيما براعة في التفنن بالمخبوزات اليدوية وأدخل في تصنيعها بعض الحرفة اليدوية المتقدمة مع الأدوات فكان يصنع المعجنات على شكل الدرائش والأبواب والزخرفات المستخدمة في البيوت وعلى شكل المربعات والمستطيلات والدوائر وبنكهات مختلفة.

ومع المساء كانت درابين هذا السوق يتزاحم فيها المارة ويتدافعون عليها بالمناكب حيث دال جواد عواش الذي برع في تجهيزه منذ الأربعينيات من القرن الماضي حتى مطلع الثمانينيات ، وقد كان لنا حديث مسهب عنه في حلقتين من حلقات من ذاكرة الأيام.

د علي محمد سلطان
30/4/2019

في الصورة
عبدالله محمد علي ( أبو همدلي) و
عبدالرضا حسن ( حارب)
الأستاذ قاسم عبدالله جالس في دكانة والده و
داود إسماعيل خلفان( ابو مرتضى)